موجَز
خلفيّة عامّة
في حزيران من العام 1967، فرضت دولة إسرائيل قانونها ونفوذها وإدارتها على مساحة جغرافيّة في القسم الشرقيّ من القدس ومحيطها (في ما يلي: شرقيّ القدس)، وضمّتها إلى منطقة نفوذ بلديّة القدس. بدءًا من العام 2014، اتّخذت حكومات إسرائيل قرارات بشأن مخطّطات متعدّدة السنوات لمعالَجة عينيّة وبؤريّة لسكّان شرقيّ القدس (انظروا ذلك في موضع لاحق)، على أساس الاعتراف بأنّ الوضع في شرقيّ القدس يتطلّب تعاملًا خاصًّا على خلفيّة الفجوات الاجتماعيّة الاقتصاديّة بينها وبين غربيّ المدينة، وبينها وبين سائر السكّان العرب في الدولة، وكذلك بسبب شحّ الحلول الحكوميّة للتعامل مع هذه الفجوات.
في العام 2016، سكن في القدس نحو 332,600 من السكّان العرب (وغالبيّتهم المطلَقة في شرقيّ المدينة؛ في ما يلي: سكّان شرقيّ القدس)، ويشكّل هؤلاء نحوَ 38% من مجموع سكّان المدينة، ونحوَ 19% من مجْمَل السكّان العرب في إسرائيل. الغالبيّة العظمى من سكّان شرقيّ القدس يحملون تراخيص الإقامة الدائمة في إسرائيل (في ما يلي: مقيمون دائمون). يسري على المقيمين الدائمين القانونُ الإسرائيليّ بجميع جوانبه؛ بعامّة تسري عليهم جميع الواجبات التي تفرضها الدولة، ويحقّ لهم الحصول (تقريبًا) على جميع حقوق المواطن الإسرائيليّ. بناء على مكانة سكّان شرقيّ القدس، يُشتقّ واجب الدولة أن تتعامل معهم على قدم المساواة، وتزويدهم بالخدمات الاجتماعيّة التي يتوافر لهم حقّ الحصول عليها.
الشريحة السكّانيّة في شرقيّ القدس متنوّعة جدًّا، وقد امتنعت أجزاء منها سنين طويلة عن التواصل مع السلطات، لأسباب سياسيّة - قوميّة، لكن السنوات الأخيرة تشهد نوعًا من التغيُّر في هذا الاتّجاه، وتتجاذب المجتمعَ في شرقيّ القدس اليوم نزعتان: الرغبةُ في الانخراط الاقتصاديّ في إسرائيل، ومشاعرُ العداءِ وعدمِ الانتماء.
هاتان النزعتان تشدّدان على أهمّيّة النشاط الحكوميّ والبلديّ لتحسين الأوضاع الاجتماعيّة - الاقتصاديّة لسكّان شرقيّ القدس وتأثيراته المحتملة، وذلك في إطار واجب تبنّي سياسة تتميّز بالمساواة، وهو ما يُفضي إلى تحسين اقتصاد ومتانة القدس كلّها، وتعزيز الأمن القوميّ لدولة إسرائيل.
في العام 2016، رزح نحوُ 75% من سكّان شرقيّ القدس تحت خطّ الفقر، مقابل 29% من اليهود في القدس وَ 52% من السكّان العرب في الدولة. وعاش 81% من الأطفال في شرقيّ القدس في حالة فقر. مشاركة السكّان في الحياة الاقتصاديّة التشغيليّة في المدينة ضئيلة، الأمر الذي يشدّد على حاجتهم العميقة إلى الخدمات الاجتماعيّة. علاوة على ذلك، ثمّة فجوات في معظم البنى التحتيّة والخدمات بين شرقيّ القدس وغربها، وهذه تتجسّد في التربية والتعليم، والتعليم العالي، وعدم معرفة اللغة العبريّة، بالإضافة إلى فجوات في المواصلات العامّة، وفي كمّيّة البنايات العامّة، والمساحات الـمُعَدّة للجمهور، وفي النظافة العامّة والخدمات البلديّة. بناء جدار الفصل "غلاف القدس" (في ما يلي: الجدار) بين القدس ومنطقة يهودا والسامرة (الضفّة الغربيّة) سعى إلى توفير الحلول للتهديدات الأمنيّة من مناطق الضفّة الغربيّة تجاه دولة إسرائيل، لكنّه أبقى سكّان القدس في مخيّم اللاجئين شعفاط وفي كفر عقب (في منطقة القدس) خلف الجدار، وبالتالي يجب على هؤلاء الدخول إلى القدس عبْر معابرَ منظَّمٍة لغرض العمل وتلقّي الخدمات. هذا الواقع خلق في شرقيّ القدس مجتمَعًا يشعر الكثيرون من أفراده بالتمييز والضائقة والإحباط.
في حزيران من العام 2014 قرّرت الحكومة، لأوّل مرّة، التوجُّهَ لمعالجة شؤون سكّان شرقيّ القدس على نحوٍ مركّز، ورصدت لهذا الغرض نحو 290 مليون شيكل (في ما يلي: قرار الحكومة من العام 2014). في المقابل، بدأت بلديّة القدس في العَقد الأخير بالاهتمام بشرقيّ القدس وتوجيه الموارد إليها بغية إغلاق الفجوات في مجالات معيَّنة. لاحقًا، في العام 2018 على وجه التحديد، قرّرت الحكومة تطبيق خطّة متعدّدة السنوات ابتغاء "تقليص الفجوات الاجتماعيّة - الاقتصاديّة، والتطوير الاقتصاديّ في شرقيّ القدس" (في ما يلي: قرار الحكومة من العام 2018)، بميزانيّة مقدارها نحو مليارَيْ شيكل. تطرَّقَ هذه القرار إلى مجالات المواصلات والبنى التحتيّة والتشغيل والتربية والتعليم، وسعى إلى تشجيع سكّان القدس على الانخراط في التعليم العالي في إسرائيل، وفي الاقتصاد والتشغيل النوعيّ، وإلى تقليص الفجوات في التخطيط والهياكل التحتيّة.
يتمحور التقرير الحاليّ في الخدمات الاجتماعيّة، ولا سيّما في مجالات التربية والتعليم والرفاه الاجتماعيّ، والتي هنالك واجب قانونيّ يقضي بوجوب توفير غالبيّتها. نتحدّث في هذا الصدد عن خدمات لا يتطرّق إليها قرار الحكومة من العام 2018 على نحوٍ مباشر، أو يتطرّق إليها تطرّقًا جزئيًّا، وبالتالي فحتّى لو جرى تطبيق القرار على أحسن وجه، ستبقى المشكلة بغالبيّتها على حالها، وستتواصل الفجوات العميقة في كمّيّة ونوعيّة الخدمات المقدَّمة للسكّان في شرقيّ القدس مقارَنةً بسكّان غربيّ القدس ودولة إسرائيل بعامّة. عدم تقليص هذه الفجوات يُلحِق الضرر بقدرة سكّان شرقيّ القدس على تحسين أوضاعهم الاجتماعيّة -الاقتصاديّة، وقد يعمّق الضائقة في صفوفهم ويُلحِق الضرر بمتانة القدس برمّتها.